التجارة الرابحة مع الله سبحانه وتعالى..

    مال قليل يطرح الله -عز وجل- به البركة خير من مال كثير تمحقه البركة وتُزال منه، ومن أسباب البركة في المال: الصدقة، فالله عز وجل يربي الصدقات ويضاعفها لأصحابها، والصدقة هي التجارة الرابحة مع الله التي لا خسارة فيها أبدا، وأيّ تجارة هي تلك؟!

أن تبذل بمالك وتتصدق بما عندك ابتغاء ما عند الله -عز وجل-، وعن النبي – صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “كلُ الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها” رواه مسلم في صحيحه عن أبي مالك الأشعري.

ومعناه يشير إلى التجارة مع الله -عز وجل- فمن يبيع نفسه قد يبيعها ويعتقها من عذاب النار، وقد يبيعها ليهلكها في النار كل بحسب بيعته، فاغتنم لنفسك ما يرضيها ويؤنسها من التجارة والربح.

يقول الله – عز وجل-: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ٢٩ [فاطر: 29]

وجاء في تفسير هذه الآية الكريمة: إن الذين يقرؤون القرآن، ويعملون به، وداوموا على الصلاة في أوقاتها، وأنفقوا مما رزقناهم من أنواع النفقات الواجبة والمستحبة سرًّا وجهرًا، هؤلاء يرجون بذلك تجارة لن تكسد ولن تهلك، ألا وهي رضا ربهم، والفوز بجزيل ثوابه[1]، وهذه هي التجارة الرابحة مع الله -عز وجل-.

فالتجارة مع الله، ثلاث تجارات: كتاب الله، والصلاة، والصدقات، وأما الصدقة فإنه لا يبقى لصاحب المال من ماله إلاّ ما تصدق به كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ﴾ [البقرة: 27]، ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عن الشاة التي ذبحوها ما بقى منها: قالت: ما بقى منها إلاّ كتفها. قال: “بقي كلها غير كتفها”.

وما جزاء المتصدقين إلا مضاعف: ففي قوله سبحانه: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [سورة البقرة: 245].[2]

وما جاء في قصة الصحابي الجليل أبي الدحداح -رضي الله عنه- : “ أنَّ رجلًا قال يا رسولَ اللهِ إنَّ لفلانٍ نخلةً وأنا أُقيمُ نخلي بها فمُرْه أن يعطيَني إياها حتى أُقيم حائطي بها فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَعْطِها إياه بنخلةٍ في الجنةِ فأبى وأتاه أبو الدَّحداحِ فقال بِعْني نخلَك بحائطي قال ففعل قال فأتى النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال يا رسولَ اللهِ إني قد ابتعتُ النخلةَ بحائطي فاجعلْها له فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كم من عَذقٍ دوَّاحٍ لأبي الدَّحداحِ في الجنةِ مِرارًا فأتى امرأتَه فقال يا أمَّ الدَّحداحِ اخرُجي من الحائطِ فإني بعتُه بنخلةٍ في الجنةِ فقالت قد ربحتِ البيعُ أو كلمةً نحوها”[3]، فأيّ ربح هو هذا الربح!! وأيّ تجارة رابحة مع الله!!

 



[1] – التفسير الميسر (7/ 453)

[3] – الحديث من رواية أنس بن مالك وصححه الألباني