الشكر من أهم الأسباب لحفظ النعم، والجالب لزيادتها، لذلك كان السلف – رحمهم الله- يسمون الشكر بالحافظ أي أنه طريق لحفظ النعم الموجودة، ووسيلة لجلب النعم المفقودة، وقد قال الله تعالى: ]لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡ[، فجعل الشكر عنوانا للحفظ والزيادة وإلا لكانت النعم عرضة للزوال، ومصداقا لذلك دعوة النبي – صلى الله عليه وسلم -: “اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك”، فالنعم إن لم تبادر بالحفظ والشكر فمصيرها إلى زوال، والشكر يكون بالأقوال والأفعال، فالمؤمن يشكر الله -تعالى- ويحمده بلسانه في كل يوم على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، كما يستخدم نعم الله -تعالى- في طاعته والبعد عن معصيته، وشكر النعم من صفات المؤمنين في الإسلام، فعن صهيب الرومي رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له” رواه مسلم في صحيحه.
وكان من أقوال الحسن البصري -رحمه الله- المأثورة عنه في شكر النعم: “إن الله ليُمتع بالنعمة ما شاء، فإذ لم يُشكر قلبها عليهم عذابا”، فالشكر قيد النعم، إذا شكرت النعم اتسعت وبارك الله فيها وعظم الانتفاع بها، ومتى كفرت النعم زالت وربما نزلت العقوبات العاجلة قبل الآجلة.
ومن صور الشكر العمل، فينبغي عليك أن تنجز عملاً للآخرين تعبر لهم عن امتنانك لهم، تساعد أخاك على قضاء حاجة ما، أو تفرج عنه هماً، أو ترسم الابتسامة على وجهه، أو تدخل السرور إلى قلب طفل صغير أو قريب لك أو عزيز عليك، فإنك بذلك تؤدي شكرك بأخلاقك للمنعم عليك، فاللهم احفظ علينا نعمك، وارزقنا شكرها وتسخيرها فيما يرضيك عنّا.
ومنذ صغرنا تتردد على أسماعنا مقولة: (بالشكر تدوم النعم) فهلّا توقفنا قليلا عندها:
دوام النعم وبقائها مرتبط بدوام شكرها وبذل الطرق المؤدية إلى ذلك، فلابدّ للمرء أن يشكر المنعم على نعمائه وجوده وإحسانه، ويبحث عن وسائل شكره التي منها: حفظ النعمة وعدم الإسراف فيها أو تبذيرها وحسن التعامل معها، فالإسراف والتبذير في استخدام النعم طريقٌ إلى زوالها، وهو محرم في الإسلام لما فيه من هدرٍ وضياعٍ للنعم، وقد قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُواۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، وكثيرٌ من الفقراء لا يجدون ما يسدون به جوعهم هم وأطفالهم، بينما يقوم البعض بإلقاء الطعام والشراب كل يوم في القمامة دون شعورٍ بالمسؤولية تجاه من يعاني من الجوع، وكذلك بالإعراض عن طاعة الله -تعالى- ومعصيته تزول النعم، فما زاد عن حاجته يدفع به إلى من يحتاجه من أهل التعفف والحاجة، فلا يجلبه البطر والترف إلى إلقائه أو إهداره بل يصرفه إلى المحتاج، والطرق المؤدية إليه الآن متاحة وسهله بل في كل مكان مجرد مكالمة أو رسالة يجد أهل الخير عند بابه لإعطائه مستحقيه، فكن شاكرا لله بإحسانه، محافظا على نعمه وآلائه بصرفها على الوجه الذي يرضيه عنك.